د.عبد الله بوصوف: رئاسيات جزائرية سنة 2024، هل ستكون مدخلا للديمقراطية و التنمية أم استمرارا لعرقلة المغرب..؟

عندما خرج الشعب الجزائري للشارع في شهر فبراير من سنة 2019..عبر ما عُـرف إعلاميا “بالحراك الشعبي”، فقد كان يحتج على رفضه لتمديد العمر السياسي للنظام العسكري القابض على مقاليد السلطة منذ انقلابه على رموز الثورة الجزائرية سنة 1962…من خلال العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة..كما كان يحتج على تردي و تراجع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لدولة غنية بمواردها الطبيعية و خاصة البترول والغاز الطبيعي..

و رغـم حملات القمع والاعتقالات في صفوف زعماء الحراك الشعبي، فقد وصلت مطالب الشعب الجزائري إلى مسامع العالم عبر تقارير إعلامية و منظمات حقوقية باوروبا وأمريكا ..جعلت النظام العسكري يتراجع و ” يـأكل ” أولاده بدءا من عزل الرئيس بوتفليقة و تسميم ” القايد صالح ” والإعلان عن رئاسيات تأجلت بضغط من الشارع الجزائري مرتين في أبريل و يوليوز من سنة 2019..عندها هدد عسكر الجزائر بالرفع من قبضة الحديد و النار ( اعتقال أكثر من 300 متظاهر ) في مواجهة زعماء الحراك الشعبي الرافضين لتنظيم رئاسيات شهر دجنبر 2019 بمشاركة أطراف تنتمي إلى النظام الحاكم ومنهم من تولى وزارات ورئاسة الحكومة في عهد بوتفليقة ونقصد به الرئيس الحالي السبعيني ” عبد المجيد تبون ” وهي الانتخابات التي لقيت معارضة شديدة لنتائجها شهِـدت عليها نسبة المشاركة بأقل من 40% وهي أقل نسبة مشاركة منذ الانقلاب على الثورة الجزائرية سنة 1962.

والمثير للسخرية أن بعض الأبـواق الإعلامية كالصحافيين عبد الحفيظ الدراجي وخديجة بن قنة، كانا من الرافضين لنتائج الانتخابات وبالضبط لشخصية ” تبون ” فالدراجي اعتبر أن ” رحيل الرئيس ” سيضاف إلى مطالب الحراك الآن و ان الانتخابات مزورة ، في حين أن ” بن قنـة ” صرحت أن ” تبون كان وزيرا في كل حكومات بوتفليقة المتعاقبة وأقسم بلسانه أنه لن يحيد عن برامج ” فخامته ” مهما كانت الظروف…

واعتبر الرئيس ” تبون ” يوم أداءه القسم بأنه لم يعد هناك كلمة حراك واصفا معارضيه بالمرتزقة والطابور الخامس..لكن استمرار الحراك الشعبي والضغط الخارجي دفع النظام العسكري إلى إعلان تنظيم تشريعيات مبكرة…لتغيير جلـد البرلمان الجزائري ثم إعلان تعديل دستوري يـركز كل السلطات في يـد رئيس الجمهورية…

لم تنفع العديد من الحملات الإعلامية المدفوعة الثمن في إخراج النظام الجزائري من عزلته الدولية..حتى إعلانه عن ” قانون استثمارات جديد ” يطلق يـد الشركات الأجنبية في عمليات استخراج وإنتاج الغاز والبترول مقابل ضخ عملة صعبة تنفع الجزائر في شراء أسلحة ليس للدفاع عن مصالح الشعب الجزائري ولكن لدعم حركات انفصالية وإرهابية سواء في تيندوف او دول جنوب الصحراء الساحل..

ويكفي التذكير بوزن منصة احتفال ذكرى استقلال الجزائر ، وغياب أغلب قادة الصف الأول في مؤتمر الجامعة العربية الذي كاد أن يفقـد معناه بعد تعـدد حالات تأجيله و رفض الجامعة العربية الانصياع لأجندة النظام العسكري الجزائري…كما يكفي التذكير بحملات السخرية من تنظيم بطولة ” الشأن ” الأفريقية بالجزائر…

و لم يتنفس النظام العسكري إلا باندلاع الحرب في أوكرانيا و رغبة أوروبا في تعويض الغاز الروسي وهو ما أنعش خزينة سونطراك وأخرج الرئيس ” تبون ” من عزلته بتوافـد رؤساء حكومات و شركات مالية وبترولية من أجل توقيع عقود التزويد بالغاز و البترول..بطبيعة الحال فهي عقود طويلة الأمد مع امتيازات كبيرة…و اصبحنا نتابع تصريحات ” فخامة ” الرئيس في بعض قنوات باريس ولقائين متتاليين بالجزيرة برنامج ” لقاء خاص ” 22 مارس و بودكاس الجزيرة ليوم 6 ابريل 2023 من تنشيط الصحافية الجزائرية خديجة بن قنـة…بعد رتابة أسئلة صحافة الدوري المحلي الجزائري و التي كان يخصصها لسـرد عنترياته و فتوحات النظام العسكري في مجالات الديمقراطية و الدفاع عن الحريات بكل من افريقيا وأوروبا…

و رغم كل هذا ، فان الشعب الجزائري لازال يموت غرقـا في البحر المتوسط ، و لازال واقفا في طوابير الخبز و الحليب و اللحم… ، ولازال ” الحراك الشعبي ” ينبض بمطالب مشروعة في العيش الكريم و الاستفادة من عائـدات الثـروات الكبيرة في الصحة والتعليم والسكن والشغل…كغيره من مواطني بـلدان الغاز والنفط في الخليج العربي ، وليس التباهي بتخصيص ” بقشيش ” للعاطلين في كل محطات التلفزيون…

اليوم ونحن على مشارف نهاية العُهـدة الأولى للرئيس ” عبد المجيد تبون ” والاستعداد لرئاسيات سنة 2024..يمكننا القول إن النظام العسكري سيجـدد ثقـته في الرئيس ” تـبون ” لولاية ثانية وهو على مشارف الثمانينات من العمـر ، وهو ما يعني من جهة ، ضمان استمرار عـقـيدة النظام العسكري على مستوى الداخل واستنزاف ثروات البلاد وقمع المعارضين واعتقال المطالبين بحقوقهم من الثروة الوطنية…

و من جهة ثانـية ، ترسيخ عُـقـدة النظام على المستوى الخارجي ، بخلق معارك نفسية تتعلق بالذاكرة والتاريخ سواء مع المستعمِـر الفرنسي في مواضيع الذاكرة المشتركة والجماجم والسجال السياسي حول عدم وجود ” أمة جزائرية ” واحتضان مقر حكومة القبائـل بباريس وتكريم أحفاد ” الحرْكة ” والأقدام السوداء من طرف الايليزي….

أو تكريس ” ديبلوماسية الغاز ” في كل تحركاتها سواء بـدول الجوار كتونس وليبيا او بدول الساحل جنوب الصحراء..أو بداخل أروقة ” حركة عدم الانحياز ” والإتحاد الافريقي لشراء الولاءات و الأصوات من اجل الترويج لبضاعة البوليساريو الفاسدة بمخزن تيندوف..أو محاولة تصحيح الوضع الداخلي كشرط للانضمام لدول البريكس، إذ زلً لسان ” تبون ” أثناء هـذيانه في لقاء مع قناة الجزيرة بقوله… بضرورة القيام بإصلاحات تخص الرفع من الدخل القومي و مؤشرات إقتصادية…كشروط للانضمام للبريكس ..

فماهي نقاط برنامج رئاسيات تبون لسنة 2024..إذا عملنا أنه طيلة ولايته الأولى كان يحاول إطفاء نار الحراك الشعبي و إشعال النار في خيمات تينـدوف…فلا هو أفلـح في تحسين القدرة الشرائية للمواطن الجزائري ولا هو حفظ كـرامته من طوابير تحت شمس حارقة…بل استمر في محاولات تشويه صورة المغرب فسقط في Algerigate من خلال تورط لوبيات ومنظمات تخصص لها سونطراك عمولات صعبة من أجل تقارير إعلامية مفضوحة سرعان ما عجزوا عن حلها بعـد فضيحة إعلامية وقضائية…كما واضب النظام على محاولات صُنْـع عدو وهمي للشعب الجزائري الشقيق ..في حين عجـز عن مواجهة العدو الحقيقي للشعب وهو الفقـر والبطالة وانعدام مرافق الصحة والتعليم وقمع الحريات…هذا رغم كل ما يتوفر عليه البلد من إمكانيات طبيعية للتنمية و التطـور…

لكن للنظام العسكري الجزائري أجندة أخرى وتـرتيب آخر لأولويات الشعب…يعتمد في تسويقها على مجموعة إعلامية ” للإيجار ” فخديجة بن قنـة والدراجي مثلا.. خرجـا من ” الطابور الخامس” وأصبحا في مقـدمة طابور النظام ، ويقحمان المغرب في كل خرجاتهما من الرياضة إلى الطبخ إلى الزليج والقفطان والطاجين وغيره…وأصبحا بذلك الدراع الإعلامي للنظام بالخارج و مؤثـرين بشبكات التواصل الاجتماعي و تحت تأثـير قـوة دولارات سونطراك…وقس على ذلك أقلام و منابر إعلامية و حقوقية و حتى شخصيات قضائية بأوروبا…

إن ما يعيشـه نظام الجارة الشرقية من وهـن سياسي و محاولة التغلب على عُـقدِه النفسية اتجاه المملكة المغربية الشريفة التي دافعت عن استقلال الجزائر بهيئة الأمم المتحدة في عهديْ السلطان محمد الخامس والملك الحسن الثاني طيب الله ثراهما..و آوت مجاهديها بدءا من ” الأميرعبد القادر ” إلى قادة الثورة الجزائرية بمدن الشرق و الريف المغربي و خاصة بمدينة الناظور…و استمرت سياسة اليـد الممدودة مع الملك محمد السادس..رغم قطع العلاقات الديبلوماسية وإغلاق الحدود والمجال الجوي…و رغم إقحام المغرب في حروب خسرتها الجزائر كالرمال و أمكالة ، وملف الصحراء المغربية الذي يعتبـره النظام الجزائري معيار لتزكية كل مرشح للرئاسيات واعتباره معركة شخصية للمرشح ..في حين يعتبره المغرب قضيته الأولى و انها قضية وُجُـود و منظاره للعـالـم…

فهل سننتظر طويلا ولادة جيل سياسي جزائري جديد متصالح مع تاريخه و مع محيطه ، ويضع نُصْب أولوياته تنمية الجزائر ، لا جيوب جنرالات النظام والشركات العالمية..ويقطع مع جيل رضع من ثـدي جهالات التاريخ ونظريات المؤامـرة…