د.عبد الله بوصوف: الواجهة الأطلسية والمستقبل الإفريقي المشترك…

أعتقد أنه يمكننا توصيف خطاب الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء ليوم 6 نوفمبر من سنة 2023.. بأنه ” واسطة العِقْد “، سواء على مستوى التحليل الاستراتيجي أو الجيوسياسي… أو على مستوى واقعية مضامينه وتصوراته لمستقبل البلدان الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي ومستقبلها المشترك….

إذ لا يمكننا قراءته دون الرجوع ثمان سنوات إلى الخلف وخطاب الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء في نوفمبر 2015.. وهو الخطاب المؤسس للنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية وتطبيق الجهوية المتقدمة.. وما حمله من مشاريع تنموية وبرامج تهم تمتيع أقاليم الصحراء المغربية بشبكة طرق وبنية تحتية بمواصفات دولية وبنــاء الميناء الأطلسي الكبير بالداخلة ومشاريع للطاقة الشمسية والريحية وربط الداخلة بشبكة الكهرباء الوطنية… بالإضافة إلى مشاريع تحلية مياه البحر بالداخلة وإقامة وحدات صناعية بالعيون والمرسى وبوجدور بالإضافة إلى خلق ” صندوق للتنمية الاقتصادية ” لمواكبة ودعم مشاريع أبــناء المنطقة في أفق تحقيق تنمية بشرية مستدامة…

كان من ثمرات كل هذه المجهودات والمشاريع بعد مرور حوالي عِقـد من الـزمن أن تصبح كل من الداخلة وغيرها من مدن الصحراء المغربية… مؤهلة لتكون بوابة للعمق الإفريقي ومنصة مهمة لكل إقلاع اقتصادي واجتماعي للدول الإفريقية الأطلسية… في أفــق إنجاز خط الغاز الطبيعي المغرب / نيجريا وما يحمله من تنمية اقتصادية مشتركة بين العديد من الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي من جهة ومصدر مضمون لتزويد الدول الأوروبية بالطاقة من جهة ثانيـة…

كما لا يمكننا قراءة خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2023 دون التذكير بتاريخ أبريل 2007 واستحضار حـدث تقديم مبادرة الحكم الذاتي لأقاليم الصحراء المغربية… إذ يعتبر ذلك التاريخ المحطة التي قلبت كل معادلات بخصوص ملف الوحدة الترابية وتبني قرارات مجلس الأمن الدولي للمقاربة الواقعية وتوصيف المبادرة المغربية بالقوية والفعالة والواقعية وهو ما طبع الملف بدينامية إيجابية من خلال ارتفاع عدد اعترافات الدول خاصةً الكبيرة منها، وبفتح قنصليات بكل من الداخلة والعيون…

كان آخــرها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2703 ليوم 30 أكتوبر 2023 وهو القرار الذي حدد أطراف العملية السياسية والقانونية والأخلاقية في سبيل البحث عن حل نهائي… ووصف المبادرة المغربية للحكم الذاتي ب ” الجادة وذات مصداقية..” ومتضمنا لتحذير واضح للمرتزقة البولساريو بخصوص الانتهاكات وفرض قيود على حرية تنقل بعثة المينورسو…

لـذلك فخطاب المسيرة الخضراء لسنة 2023 هو امتداد لتراكمات إنجازات الديبلوماسية المغربية بخصوص مغربية الصحراء وتقديم مبادرة الحكم الذاتي من جهة، وللإنجــاز الكبير بخصوص النموذج التنموي للاقاليم الجنوبية لسنة 2015 من جهة ثانية.. والتي خصها الخطاب الملكي بوصف الواجهة الأطلسية المغربية كبوابة مغربية نحو افريقيا ونافـذة انفتاحه على الفضـاء الأمريكي…

ولكي تكــون كذلك، فـقـد أعاد الخطاب التأكيد على استكمال المشاريع الكبرى وتوفير الخدمات المرتبطة بالتنمية البشرية والاقتصادية… وترسيخ اقتصاد بحري يكون في خدمة ساكنة الواجهة الأطلسية بالجنوب المغربي.. بما يعني ذلك من تكوين أسطول بحري تجاري وطني وتنافسي ومواصلة الاستثمار في مجالات الصيد البحري والنهوض بالاقتصاد الأزرق والسياحة الشاطئية والصحراوية…

لقد ضخ المغرب وطوال 48 سنة على تحرير الصحراء المغربية استثمارات مالية ضخمة وخصها ببرامج تنموية طموحة واعتبرها قاطرة للجهوية المتقـدمة… جعل منها بوابة حقيقية لعمقه الافريقي…

وبنفس المقاربة الواقعية التي تحمل طابع التعاون والتنمية المشتركة التي تقطع مع المقاربات الأمنية والعسكرية التي عصفت بأنظمة دول الساحل الشقيقة و جعلتـها تعيش أوضاعا سياسية واقتصادية وأمنية غير مستقــر طبعتها انقلابات متعددة حوالي 6 منذ سنة 2020 فقط، وهي الدول الغنية بثرواتها المعدنية كالذهب والأورانيوم واحتياطات نفطية هامة…

ويأتي طرح الخطاب الملكي لمبادرة دولية لتمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي بعد فشل المقاربات العسكرية والأمنية… لكن نجاحها يبقى رهينا بتأهيل البنيات التحتية لدول الساحل وربطها بشبكات النقل والتواصل بمحيطها الإقليمي… وهي المبادرة التي سوف تقلب وجه المنطقة ككل على مستويات الاقتصاد والرفاه الاجتماعي والأمن والاستقرار السياسي…

وبتبنيه لنفس الغايات أي توطيد الأمن والاستقرار والازدهار المشترك.. سيطرح الخطاب الملكي مبادرة إحداث إطار مؤسسي جديد يجمع 23 دولة افريقية أطلسية… بعد تعثـر مؤسسات افريقية اطلسية كالسيدياو مثلًا … في تحقيق شروط التكامل الاقتصادي والاجتماعي أو المحافظة على الاستقرار السياسي والقرار السيادي..

وسواء تعلق الأمر بالمبادرة الدولية الخاصة بدول الساحل أو تلك المتعلقة بخلق إطار افريقي أطلسي جديد.. يقوم على أساس تحقيق التعاون والتنمية المشتركة… فإن هذا يندرج ضمن الأجندة الملكية الخاصة بتطوير افريقيا وتنمية شعوبها.. وتصور ملكي بخلق فضاء افريقي أطلسي يتكلم لغة الاقتصاد والتنمية المشتركة وليس كيان سياسي… أثبتت التجارب عدم فعاليته وضعف أفُقِـه…

أكثر من هذا، فعندما يطرح المغرب مبادرتين دوليتين هامتين وتقديم تصور اقتصادي واجتماعي وسياسي وأمني… وعندما يضع المغرب خبرته وبنيـته التحتية في مجال الطرق والموانيء والسكك الحديدية رهن إشارة دول الساحل مثلا…

فهذا يعني أن المغرب يتحرك ويقتـرح كفاعل رئيسي وشريك اقتصادي وسياسي موثوق وذي مصداقية على المستوى الإقليمي والدولي وخاصة مع الدول العربي؛ والافريقية الشقيقة…

لذلك قلنا في البدء أن خطاب المسيرة الخضراء ليوم 6 نوفمبر 2023 هو ” واسطة العِـقْـد ” وأن قراءته تفرض الرجوع لإعادة قراءة الخطب السابقة وخاصة تلك المتعلقة بملف البرنامج التنموية للاقاليم الصحراء المغربية ومبادرة الحكم الذاتي… وموقع المغرب في خريطة العلاقات الدولية كفاعل أساسي..