د.عبد الله بوصوف: ما يشغل النظام الجزائري أكثر هو وقف الدينامية الإيجابية المغربية في ملف الصحراء

تحاول الآلة الإعلامية الجزائرية كعادتها تزييف الحقائق وتحويل الإخفاقات الى انتصارات رغبة منها في امتصاص الغضب الشعبي و”الحراك” وتخدير الشارع الجزائري بانتصارات وهمية وترويج خطاب “القوة الضاربة”، هذا في الوقت الذي مازالت طوابير الخبز والحليب واللحم …شاهدة على عجز النظام الجزائري على تلبية الاحتياجات الضرورية لشعب يطمح للعيش كباقي الشعوب الغنية بالغاز والبترول…

إذ المفروض أن دولة مثل الجزائر بثرواتها الطبيعية واحتياطاتها من الغاز الطبيعي والبترول أن تتوفر على مرافق عمومية صحية عالية وليس أن “تشحت” اللقاح المضاد للكوفيد 19 وهي الجائحة التي عرت ما تبقى من عورة النظام السياسي العسكري بعد انخفاض أسعار البترول.

كان الجميع يعرف بالعزلة السياسية للنظام الجزائري باستثناء أبواق النظام الجزائري التي تعرت بدورها أثناء احتفال بعيد الاستقلال يوم 5 يوليوز 2022 حيث رغم الحملة الإعلامية فلم يحضر رؤساء الصف الأول بل حضر فقط رئيس تونس والنيجر والسلطة الفلسطينية وممثل عن سوريا…فيما بعث الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون برسالة تهنئة بطعم العزاء بتذكيره بالأوروبيين ضحايا مجزرة وهران في نفس يوم الاستقلال 5 يوليوز 1962…
اليوم عندما تزور رئيسة الحكومة الفرنسية ” إليزابيت بورن ” المستعمرة القديمة الجزائر رفقة وفد وزاري كبير (9 أكتوبر 2022) بعد الزيارة التاريخية للرئيس الفرنسي ماكرون في غشت 2022 من أجل كسر الجليد وتوقيع ” اتفاق الجزائر” من اجل شراكة متجددة… وخروج نفس الأبواق بالتهليل لانتصار النظام في معركة ” كسر العظام ” مع باريس حول التاريخ المشترك والاتجار في ملف الشهداء والخطاب التاريخي لماكرون وإنكاره للأمة الجزائرية…

يجب قراءة الحدث في إطار التحولات الجيوستراتيجية وعلى ضوء ما يعيشه العالم من تداعيات الحرب في أوكرانيا وأزمة الغاز الطبيعي وارتفاع أسعار الكهرباء والمواد الأساسية…كما يجب قراءته على ضوء ” ديبلوماسية الغاز ” التي ينهجها النظام من أجل فك عزلته السياسية والتودد للقوى الكبرى. كما يجب قراءته من زاوية حاجة الجزائر إلى انفتاح دولي وإسكات الشارع الجزائري والاهم هو إيقاف موجة الاعترافات الإيجابية للدول الأوروبية بقوة مبادرة الحكم الذاتي بعد كل من ألمانيا واسبانيا من جهة، وحاجة الدول الغربية الى غاز الجزائر لتعويض حصة الغاز الروسي وتجنب ازمة الخريف وارتفاع أسعار الكهرباء والمواد الأساسية من جهة ثانية.

لكن ما يشغل النظام الجزائري أكثر هو وقف الدينامية الإيجابية المغربية في ملف الصحراء المغربية رغم عدم التوفر على الغاز والبترول ورغم تداعيات جائحة كورونــا التي خرج منها المغرب أكثر قوة بشهادة أكثر المنظمات الصحية العالمية…وهو ما جعل النظام يضع ثروة الجزائر في يد شركات البترول العالمية ويتنازل عن أرباح ويسمح لها بتحويلها للخارج في ضرب صارخ لمبدأ لوطنية مؤسسة سونطراك…

اضطر معه النظام إلى تغيير نظام الاستثمار في مجال الطاقة في ماي 2022 حيث أقر بتخفيض الضرائب على الشركات الأجنبية من 80% إلى حوالي 60% كما خلق هيئة على مستوى رئاسة الجمهورية لعقاب كل معرقلي الاستثمار والذي تبعه تغيير آخر بإصدار قانون جديد للاستثمار في يونيو تخلى بموجبه للشركات الأجنبية عن مبدأ 51/49..كل هذا لجذب استثمارات أجنبية تنعش خزينة النظام وتوفر لها العملة لشراء الشركات المفلسة الأوروبية حيث كشفت جريدة استقصائية جزائرية ( Algérie Part) عن صفقة خاسرة بشراء سونطراك لمصفاة (أوغوست) بصقلية الإيطالية بمبلغ 725 مليون دولار سنة 2018 و لشراء ولاءات وأصوات منظمات حقوقية عالمية…

لكن الملاحظ هو أن الزيارات الفرنسية للمستعمرة القديمة الجزائر، خاصة ماكرون قد خلقت توازنا رمزيا كبيرا حتى لا يفهم النظام الجزائري أنهم ربحوا المعركة…إذ أن أغلب مرافقي الرئيس ماكرون هم من أصول جزائرية، كما ان زيارته لوهران ولمقابر الضحايا الأوروبيين والرهبان الخمسة كان لها طابع رمزي كبير في إطار الذاكرة المشتركة، بالإضافة إلى أن من مرافقيه ” بنجامين ستورا ” رئيس لجنة ” الذاكرة والحقيقة “…

ونعتقد أن فرنسا لم تسعى إلى إعادة العلاقات مع المستعمرة الفرنسية حتى بعد منع المجال الجوي على الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة لدولة مالي أو استدعاء سفيرها بباريس..بل هو التنافس الإيطالي / الفرنسي على الغاز والطاقة الجزائرية على ضوء تداعيات الحرب الدائرة في أوكرانيا والسباق نحو تعويض الغاز الروسي…بحيث مباشرة بعد الزيارات المتبادلة بين الحكومة الإيطالية والنظام الجزائري منذ شهر أبريل الماضي وتوقيع العديد من الاتفاقيات خاصة بعد الموقف الاسباني الإيجابي من ملف الصحراء المغربية…

جاءت الزيارة الفرنسية في شهر غشت الماضي لاستعادة موقعها السياسي والاقتصادي في دائرة القرار الجزائري وذلك بتوقيع العديد من الاتفاقيات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي…بالإضافة إلى الحديث عن ملفات جانبية تهم قطاعات الصحة والثقافة والبنية التحتية والثقافة والهجرة. لأن ما كان يهم – وهذا براي العديد من المتتبعين- هو توقيع اتفاقيات تهم التنقيب و استخراج الغاز والبترول من آبار جديدة محادية للحدود التونسية والتي لا يستطيع رئيسها حمايتها وتبعيته العمياء للنظام العسكري، وللحدود الليبية مستغلا وضع اللاستقرار هناك بالإضافة إلى الحدود مع مالي والنيجر وهي حدود ملتهبة بالجماعات الإرهابية ودول مهددة بالعمليات الانقلابية…
لقد التقى النظام الجزائري بمسؤولي الشركات العالمية في مجال الغاز والبترول أكثر من التقاءه برؤساء الدول أو كانت ممهدة لزيارات الرؤساء او مرافقة لهم …فكل الشركات العالمية نالت حصتها من الغاز الطبيعي والثروة الجزائرية بدءا من الشركة الصينية Sinopec إلى الروسية Gazprom و Lukoil والإيطالية ENI والفرنسية Total والأمريكية ExxonMobil والبريطانية Shellو غيرها من الشركات العالمية ك BB والاسبانية والهولندية والتركية…
بدليل توقيع شركة سونطراك اتفاقات جديدة يوم 19 يوليوز 2022 مع مجموع الشركات العالمية في مجال الطاقة (ENI , TotalEnergies, Occidental ) مباشرة بعد إصدار قانون الاستثمار الجديد فـي الطاقة في شهر ماي 2022…لهذا فانه ليس أمرا مفاجئا أن نجد من مرافقي رئيسة الحكومة الفرنسية اليوم إلى المستعمرة القديمة ممثل “شركة إنجي ” لأنه يدخل في سباق الاستفادة من الثروة الجزائرية. أما الثمن فهو مجرد صور وخطابات قد يستهلكها النظام لتلميع صورته الداخلية عبر أبواقه الإعلامية وتعهدات بالمساندة فـي تلميع “القوة الضاربة ” على الصعيد الخارجي شرط توقيع عقود شراء السلاح والمزيد من السلاح من روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وأمريكا وهولندا وتركيا وغيرها…وتمويل المناورات العسكرية… يعني أن عائدات ثروة الشعب الجزائري يتم تبديدها في نصرة قضية خاسرة وشراء سلاح قد تتقادم مدته…فيما يبقى الشعب الجزائري الشقيق مرابطا في طوابير طويلة من أجل قطعة خبز من دقيق فاسد أو انتظار قارب ينقله إلى الضفة الأوروبية الدافئة بغاز الجزائر.